تبدأ حكايتها في غياهب الأساطير، في الصين خلال القرن السابع والعشرين قبل الميلاد. يُقال إن الإمبراطورة ليزو هي أول من اكتشف سرّ شرنقة دودة القزّ اللامعة. ولثلاثة آلاف عام، حافظت الصين على هذه المعرفة بشدة، فقد كان سرًّا من أسرار الدولة بالغ الأهمية لدرجة أن إفشاءه كان يُعاقب عليه بالإعدام. وفي ظلّ هذا الاحتكار، اكتسب الحرير هويته الأولى: نسيجًا يتميّز بالفخامة المطلقة، وهي صفة لا تزال تُعتبر من الكماليات التي تتوق إليها حتى اليوم.
ثم جاء الكشف الكبير عن السر على طول طريق الحرير (القرن الثاني قبل الميلاد - القرن الرابع عشر الميلادي) ، أول طريق رئيسي للعولمة في التاريخ. لم يكن هذا مجرد طريق تجاري، بل كان حوارًا. حملت القوافل الحرير غربًا، ولكنها حملت أيضًا البوذية والزجاج ونجومًا من سماوات أخرى. في روما، دفع أعضاء مجلس الشيوخ وزن الحرير ذهبًا مقابل قماش فائق النعومة لدرجة أن سينيكا استنكر شفافيته "غير المحتشمة". انكسر الاحتكار أخيرًا عام 552 ميلاديًا، ليس بالحرب، بل بالمكائد: هرب الرهبان البيزنطيون ديدان القز في عصي مشي مجوفة، حاملين كنز المملكة في عصا.
بعد انكشاف السر، ازدهر هذا الفن على أيدي حرفيين جدد. خلال العصر الذهبي الإسلامي (القرن الثامن إلى الثالث عشر الميلادي) ، برز النساجون الفرس كأساطين جدد. في ورش بغداد، تحوّل الحرير إلى زخارف عربية معقدة وخطوط أنيقة. نسج الحرفيون خيوط الذهب والفضة لصنع أردية احتفالية، بينما أصبح التجار المسلمون حلقة الوصل الأساسية، حيث قاموا بتوريد الحرير عبر البندقية وغرناطة إلى أوروبا المتعطشة لجماله.
أشعل هذا الشغف حمى الحرير الأوروبية (القرن السادس عشر - الثامن عشر) . أصبحت ليون قلبها النابض، وأشعلت أنهارها أنوالًا جديدة. استخدم الملوك قوانين الإنفاق للسيطرة على جاذبيته - كان المخمل الحريري القرمزي حكرًا على الملوك. ومع توسع الإمبراطوريات، اتسعت رقعة الحرير: عبرت السفن الإسبانية المحيطات، تتاجر بشالات مانيلا الرقيقة مقابل الفضة المكسيكية، رابطةً العالم بخيوط الحرير.
أحدثت الثورة الصناعية (القرن التاسع عشر) مفارقة. فقد جعلت الميكنة، مثل نول جاكارد، الحرير المزخرف في متناول الطبقة الوسطى الصاعدة. وانفجرت الأصباغ الكيميائية بألوان لم تكن تخطر على بال. ومع ذلك، فبينما ساهمت في إتاحة الحرير للجميع، استعادت دور الأزياء الراقية، مثل دار وورث، الحرير لحصره، فصنعت قطعًا فريدة من نوعها أعادت تعريف مفهوم الفخامة العصرية.
اليوم ، يزدهر الحرير بفضل التوازن بين التقاليد العريقة والابتكار المتطور. فالاستدامة تلتقي بالتراث باستخدام أصباغ معتمدة من Oeko-Tex. ويصنع النساجون قماش الشارموز ليمنحه انسيابية مثالية، وقماش الكريب دي شين ليضمن متانته الدائمة. أما في التصميم، فيتجلى مزيج بديع يجمع بين نقوش البيزلي الأندلسية والزخارف الفارسية والخطوط الأنيقة لفن الآرت ديكو.
فلماذا لا يزال سحر الحرير يدوم؟
يحمل هذا النسيج ذاكرة مادية للعناية البشرية: فلا يزال إنتاج رطل واحد من الخيط يتطلب ألفي دودة تتغذى على التوت. كما أنه يوفر تجربة حسية مميزة، فصوت "الخشخشة" المميز لشيفون الحرير الخالص هو صوت الأصالة. وفوق كل ذلك، يتميز بتعدد استخداماته الخالدة ، إذ ينتقل بسلاسة من أغطية رأس البدو القدماء إلى الأوشحة الأيقونية في ورشات الأزياء الحديثة، متكيفًا دائمًا دون أن يفقد سحره.
اكتشف مجموعتنا الجديدة، حيث يهمس كل وشاح بقصة قافلة قديمة، ويجسد كل رداء أناقة عابرة للثقافات.